انتقال المنظمة السرية الى الى فرنسا

إنتقال المنظمة السرية المسلحة الى فرنسا :
في منتصف شهر أفريل سنة 1962 أي قبل اعتـقال الجنرال صالان بخمسة أيام ترسخ في ذهن سوزيني أن المنظمة السرية المسلحة أو منظمة الجيش السري كما يحلو للبعض أن يسميها قد إنتهت الى الابد ولم يبق أمامه سوى البحث عن طريق يوصله الى قيادة جبهة التحرير الوطني، لعله يحصل منها على ما يحفظ ماء الوجه، في ذلك التاريخ تحدث لأول مرة أمام من تبقى من قادة المنظمة عن ضرورة التفاوض مع جبهة التحرير الوطني ، لكنه لاقى معارضة من الجميع.

أن اعتـقال الجنرال صالان قد مهد الطريق لجان جاك سوزيني الذي أصبح بالفعل المسؤول الاول عن المنظمة رغم أن الجنرال قاردي أعلن من وهران غداة الاعتقال أنه ينصب نفسه مسؤولا عن الجانب العسكري للمنظمة السرية المسلحة . ونظرا لتفوقه سياسيا وايديولوجيا عن رفاقه، فإن سوزيني قد شرع في تنفيذ مخططه الرامي الى فتح الحوار مع جبهة التحرير الوطني. وبهذا الصدد يقول يول هينسار: ”إن عبد الرحمن فارس- رئيس الهيأة التنفيذية المؤقتة - قد وافق على لقاء سوزيني وتم ذلك يوم 18/05/1962 في قرية alma” (42) هذه المعلومة صحيحة فيما يخص المكان ، لكن السيد عبد الرحمن فارس يذكر في كتابه : “الحقيقة المرة “، أنه هو الذي سعى بواسطة رئيس بلدية البليدة للقاء سوزيني من أجل إقناعه بضرورة التخلي عن العنف الاعمى والاعتراف باتفاقيات ايفيان.

هناك أيضا إختلاف كبير بين ما نقله هينسار وما كتبه عبد الرحمن فارس حول فحوى اللقاء. فبينما يذكر الاول أن سوزيني وضع شروطا لتعاون منظمته مع جبهة التحرير الوطني أهمها: « تأجيل الاستفتاء وتشكيل قيادة عليا من سبعة أشخاص ( أربعة عن جبهة التحرير الوطني وثلاثة عن المنظمة السرية المسلحة) تكون الهيأة التنفيذية المؤقتة تابعة لها ثم يكون للمجموعة الاوربية حق النقض بالنسبة للقرارات التي قد تكون مضرة بمصالحها ” (43) فإن السيد عبد الرحمن فارس قد لخص مطالب محدثه في الاتي :” إعتبار الاوربيين جزائريين وإصدار عفو شامل . وحيث أنهم لم يستشاروا بالنسبة لإتفاقيات إيفيان ،فإننا نشترط ضمانات ونريد المشاركة في القوة المحلية ومصالح الشرطة :” (44) . ويضيف رئيس الهيأة التنفيذية المؤقتة أنه أجاب محدثه بقوله ” إن في كلامكم دليلا على أنكم لم تقرأوا نص إتفاقيات إيفيان التي عالجت موضوع الضمانات والجنسية والعفو الشامل…* وفيما يخص القوة المحلية ومصالح الشرطة فإنه لا يخفى عليكم أن مجموع إطاراتها من الاوربيين ” (45)

هينسار يذكر أيضا، أن سوزيني أثناء مساعيه من أجل لقاء رئيس الهيأة التنفيذية المؤقتة، كان يحاول الاتصال بالسيد جاك شوفالي ليكون وسيطا بينه وبين السيد عبد الرحمن فارس، (46) لكن هذا الأخير يشير في كتابه إلى أن سوزيني أخبره عند نهاية لقائهما أن جاك شوفالي سيكون هو الوسيط بينهما” (47)

وبالفعل، فإن شوفالي هو الذي أخبر فارس بأن اللقاء الثاني سيكون يوم 01/06/1962 في البرج الذي يملكه بأعالي حي الابيار عند الساعة السابعة مساء. وكجس للنبض قال له: “ان سوزيني يرى أن الإتفاق المكتوب يكون أجدى نفعا” لكن رئيس الهيأة التنفيذية المؤقتة كان رجلا مجربا فتفطن للحيلة وأجابه بحزم: “لكنك تعرف، يا عزيزي جاك، أن اتفاقيات إيفيان مشتملة على جميع الضمانات التي يطالب بها أبناء جلدتك… وبالنظر إلى حنكتك فانك تعرف، أيضا أن الاستفتاء سيجري يوم 01/07/1962 مهما كان موقف المنظمة السرية المسلحة. وعليه فإنه لم يبق سوى أن تنصح سوزيني بالتعقل، أن لك عليه بالغ التأثير. وهناك من يقول إنك مستشاره السياسي” (48).

بعد كل هذه التوضيحات، وبعد أن اقتنع سوزيني وجماعته باستحالة الاتفاق المكتوب ورضوا، في لقاء الفاتح جوان -حزيران، بالتصريح الشفاهي الذي يشير إلى وقوع حوار بين جبهة التحرير الوطني والمنظمة السرية المسلحة، سافر السادة عبد الرحمن فارس وشوقي مصطفاوي ومحمد بن تـفـتـيـفة إلى طرابلس ثم تونس للحصول على موافقة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي أكد لهم رئيسها السيد ابن يوسف بن خدة أن سلوكات المنظمة الارهابية لا تهم سوى الحكومة الفرنسية وإذا كان لابد من لقاء مع ممثليها فان السيد شوقي مصطفاوي هو الذي يكون ممثلا لجبهة التحرير الوطني.

كان مصطفاي حاسما في موقفه عندما التقى بسوزيني يوم 17/06/1962، فاكد له من جديد استحالة الاتفاق المكتوب ولم يعرض عليه سوى تصريح على أمواج الاذاعة يذكر من خلاله بالضمانات الواردة في اتفاقيات إيفيان والخاصة بجميع الاوربيين، ويشير فيه إلى المحادثات التي جرت مع مسيري المنظمة السرية المسلحة.

وفي مساء نفس اليوم، وبعد أن أذيع تصريح السيد مصطفاي قام السيد سوزيني بقراءة بلاغ على أمواج الاذاعة السرية دعا فيه الجالية الاوربية الى تقديم ولائها لجميع افراد الشعب الجزائري، وإلى الاستجابة للرسالة التي كان الجنرال صالان قد وجهها، من سجنه إلى منظمة الجيش السري يأمرها بالكف عن العمل الارهابي وتحريض الاوربـيـيـن على التكيف مع الوضع الجديد الذي تبشر به اتفاقيات إيفيان.

وإذا كانت منظمة الجيش السري في العاصمة قد استجابت لذلك النداء، فان الجنرال قاردي قد أعلن في اليوم الموالي ان وهران ترفض الاتفاق ووجه أوامره لمواصلة عمليات التقتيل والتخريب التي عرفت، في تلك الأيام الأخيرة من شهر جوان- حزيران، ازدياداً كبيراً واستهدفت جميع المنشآت الاقتصادية والادارية والصحية حتى ” لا تجد جبهة التحرير الوطني يوم استرجاع الاستقلال سوى مدينة مدمرة دماراً مطلقاً” حسب تعبير شارل ميشلتي Charles Micheletti (48) الذي كان يحلو له دائما ان يكرر: “على الجيش الذي ينسحب ان يحرق مدخراته حتى لا تقع بين أيدي العدو” (49) .

ومن فرنسا جاء إلى وهران دعم المتطرفين أمثال قودار وسارجان وسوستال ولويان مما جعل الجنرال قاردي يعتقد أنه يستطيع تحقيق حلمه المتمثل في تأسيس جمهورية فرنسية اسلامية مستقلة في جزء كبير من الغرب الجزائري. لكنه، في النهاية، لم يتمكن إلا من تلبية رغبة غلاة الكولون الذين صمموا على ألا يتركوا في وهران سوى الغربان والاطلال. واستمرت عمليات التخريب والتقتيل حتى نهاية الشهر حيث لاذ بالفرار كل قادة المنظمة الارهابية ولم يبق منهم أحد على أرض الجزائر عشية الفاتح جوليت سنة 1962.

هكذا انطفأت شمعة المنظمة السرية المسلحة أو منظمة الجيش السري في الجزائر لكن فروعها في فرنسا سوف لن تموت قبل عدة سنوات. وفي العالم الغربي، عامة، استطاعت ان تصبح رمزا للدفاع عن المسيحية والقيم الغربية في شمال افريقيا.

ففي الولايات المتحدة الامريكية أمرت “John Birch Society” مريديها وانصارها أن يكتب كل واحد منهم خمس رسائل إلى خمس جرائد فرنسية يعبر فيها عن مساندة “منظمة الجيش السري التي ضربت الرقم القياسي في محاربة الشيوعية” (50).

وفي الاوساط النازية الاوربية ارتفعت الاصوات الداعية إلى تخليد مآثر منظمة الجيش السري وتأييد كفاحها ضد النظام الفرنسي المتعفن ومن أجل القضاء على الجنرال دي غول الذي صار ينعت بعميل الشيوعية.(51)

ومسايرة لهذا التيار الفاشي المتطرف، لجأت قيادة منظمة الجيش السري في فرنسا إلى تنظيم مجموعة من الهجومات على مقرات الحزب الشيوعي والنقابات اليسارية وحتى على بعض سفارات البلدان الاشتراكية، وذلك من أجل استفزاز الشيوعيين ودفعهم إلى التظاهر وإلى احتلال الشارع أو إلى نوع من العصيان المدني الذي يجعل أغلبية من وحدات الجيش النظامي تنضم إلى صفوف المنظمة السرية المسلحة.

كانت قيادة منظمة الجيش السري التي أصبحت تعرف باسم “مجلس المقاومة الوطني” تراهن على التمكن من جعل الشيوعيين والاشتراكيين يحتلون الشارع ويجعلونه ينقسم إلى كتلتين، فيكون الجيش مضطرا للميل إلى كتلة اليمين يقف إلى جانبها ويدفعها دفعا قويا لقلب نظام الحكم، غير أن اليسار الفرنسي، تفطن للخطة وأمر مناضليه بعدم الرد على الاستفزازات بما يمكن أن يخدم مراعي اليمين المتطرف وبذلك فوت الفرصة على السيد جورج بيدو وشركائه.


(18)- يعتبر بيريز من أوائل المدنيين الاوربيين الذين أسسوا التنظيمات المسلحة ضد جبهة التحرير الوطني ويرجع ذلك إلى سنة 1955.

(19)- هورن، ص 50: 502

(20)- نفس المصدر

(21)- نفس المصدر

(22)- Salan (Raoul), Memoires fini d’un empire, Algerie française , paris 1972, p117.

(23)- دي غول، المذكرات، ص: 128

(24)- HENISSART (Paul), La dernière année de l’algérie française les combattants du crépuscule traduit de l’americain par BERTRAND Fournels, Paris 1970, p162.

(25)- نفس المصدر، ص: 178

(26)- نفس المصدر

(27)- نفس المصدر،