المنظمة السرية المسلحة OAS

على الرغم من أن هذه المنظمة قد تأسست عمليا في شهر جانفي- كانون الثاني- سنة 1961 وبدأت تنشط فعليا في نهاية شهر فيفري- شباط- كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن اللافتات المعلنة عن ميلادها لم تظهر على حيطان الجزائر إلا ابتداء من يوم 05/03/1961. وبعد ذلك بحوالي ثلاثة أسابيع وقع اغتيال رئيس بلدية ايفيان السويسرية. لكن نشاط ذلك التنظيم الإرهابي توقف في شهر أفريل- بيسان- ليذوب في الإعدادات الحثيثة لتنفيذ الحركة الإنقلابية إذا إطاراته الأساسيين كلهم كانوا من بين القياديين فيها.

وبعد فشل ما اصطلح على تسميته بتمرد الجنرالات الأربعة، واستسلام شال ونقله سجينا إلى باريس، التف الضباط الباقون وقادة غلاة المعمرين حول الجنرال صالان الذي عينوه رئيسا للمنظمة السرية وكنايته “الشمس” ثم عينوا نائبا له الجنرال جوهو وكنوه ” مكرر الشمس”، ووقعت هيكلة التنظيم على غرار ما كانت عليه جبهة التحرير الوطني وانشئت له فروع في فرنسا بقيادة النقيب سارجان وفي اسبانيا بقيادة العقيد آرقو. أما في قمة الهرم، وإلى جانب الرئيس ونائبه، فإننا نجد العقيد قودار مكلفا بالتنظيم والعقيد قادر مكلفا بالمنظمات الجماهيرية بينما أسندت الإستعلامات والعمليات إلى الدكتور Jean Claude Pérez والعمل السياسي إلى Jean Jacques Susini.

لقد كانت المنظمة السرية عجيبة بهذه التركيبة الغريبة التي لا تجمعها سوى الرغبة في منع المفاوضات بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير الوطني من الوصول إلى وقف إطلاق النار. فالمسؤول عن المنظمات الجماهيرية يرى أنه لايستطيع التخلي عن المسلمين (18) لذلك فهو مستعد للتضحية القصوى في سبيل الإدماج المطلق. أما المسؤول عن العمل السياسي فيصرح أن هدفه هو إلغاء كل المسلمين دفعة واحدة، وهو، في ذلك، متأثر بالحركة الصهيونية في فلسطين ويتمنى لو يتمكن من إنشاء ” الهاقانا الجزائرية”. وعلى عكس هذا وذاك يرى الدكتور بيريز (الطبيب اليهودي المكلف بالعمليات والإستعلامات) إن الكفاح من أجل الجزائر الفرنسية هو ” آخر معركة تخوضها الحضارة المسيحية في شمال افريقيا” (19).

وعلى الرغم من أن ضابط اللفيف الأجنبي الملازم دوقالدر لم يكن عضوا في القيادة العليا إلا أنه كان أساسيا في حياة المنظمة السرية حيث فرض نفسه قائدا أعلى للمجموعات المسلحة المكونة من الأجناد الهاربين من مختلف وحدات الجيش الفرنسي والبالغ عددهم خمسمائة. وفي الواقع، فإن دوقالدر لاعلاقة له بالسياسة ولا بالفكر، إنما انضم إلى المنظمة السرية فقط لأغراض شخصية يقول هو نفسه: “إنني لم أخسر معركة واحدة في حياتي.. والتفاوض مع جبهة التحرير الوطني دليل على أن العنف وحد ه هو الذي يفرض الوجود”(20).

بهذا المنطلق، شرع دوقالدر ومجموعاته ينفذون أوامر المنظمة السرية وخاصة منها ما جاء في البيان الصادر بتاريخ 03/05/1961 والذي نورد منه مايلي:” انصتوا لنا سوف ينقذ كل شيء. لاتسلموا أسلحتكم، اجمعوا بعضكم في فرق صغيرة، اقتلوا كل من يحاول ايقافكم، احرقوا مكاتب الحكومة، اقتلوا كل الخونة كبيرهم وصغيرهم”.

وبسرعة فائقة، استقطبت المنظمة السرية أعدادا كبيرة من الأوربيين الذين ظنوا، على غرار العقيد قودار الذي قلد هيكلة جبهة التحرير الوطني، أن سياسة العنف تقود حتما إلى إرغام الحكومة الفرنسية على فتح أبواب الحوار واشتراك منظمتهم في المفاوضات التي بات شبه أكيد أنها ستنطلق قريبا في مدينة ايفيان. ومن جهة أخرى، وجد الفارون من الجيش، وخاصة منهم أفراد اللفيف الأجنبي، ملجأ في مجموعات دوقالدر الإرهابية، وأدى كل ذلك إلى ظهور جناح فاعل في الجيش النظامي لايخفي تعاطفه من المدافعين عن الجزائر الفرنسية. ففي هذا السياق، كتب الجنرال Ailleret القائد الأعلى الجديد الذي خلف الجنرال Gambiez أن نسبة 10 % من ضباطه كانوا يبدون استعدادهم لمحاربة المنظمة السرية المسلحة. وفي المقابل توجد نسبة 10 % مؤيدة لها بينما تلتزم النسبة الباقية حيادا مشروطا بعدم دفعها إلى إطلاق النار على الأجناد الفارين والمهيكلين في المجموعات الملحة” (21).

ومما لاشك فيه أن هذا الوضع قد ساعد كثيرا على قيام المنظمة السرية بأعمال عنف في جميع الإتجاهات وكان الجنرال صالان وقيادته يعتقدون أن تكثيف النشاط الإرهابي يرغم الحكومة الفرنسية على التوجه نحو حل شبيه بما وقع في جنوب إفريقيا. وقد كان صالان معجبا بالزعيم العنصري “Ian Smith الذي قال عنه في لقائه مع الستار هورن سنة 1973 “أنه رجل ذو شخصية قوية،إستطاع في النهاية أن يبقي روديسيا لإنكلترا”(22).

وفي غمرة الأعمال الجنونية، إحتفلت المنظمة السرية بفشل مفاوضات إفيان الأولى يوم 13/06/1961 وكان ذالك بتفجير قنبلة قوية المفعول في وسط الجزائر العاصمة. ولقد عبر الجنرال ديغول عن موقفه من ذالك العمل الإجرامي بقوله “إنهم كانوا يظنون أن تقتيل أعداد كبيرة من المسلمين سيقود إلي منع إستئناف الحوار المرتقب، وأن الإرهاب سوف يرعب الرأي العام و السلطات العمومية و يرغمها على إتخاذ الطريق التى يريدونها” (23).

لقد كان قادة المنظمة يعتقدون أن العمل السري يرتجل إرتجالا لم يكونوا يدركون أن جبهة التحرير الوطني تسبقهم في ذلك المجال بالعديد من السنوات التي عرفت تأسيس التنظيمات السرية السياسية و المسلحة، لأجل ذلك فإنهم إندهشوا كيف أن الأروبيين لم يستقبلوهم بالأحضان و لم يقدموا لهم كل ما تحتاج إليه المنظمة من إمكانيات مادية،ولم يتردد جان جاك سوزيني في أن يضرب مثلا بالجزائريين الذين كانوا، في الداخل و في الخارج، يجمعون الأموال الطائلة لتمكين الثورة من الإستقرار والتواصل. أما الرأسماليون الأوروبيون و خاصة منهم “أرباب صناعة الخمور،فإنهم لم يخصصوا للمنظمة السرية المسلحة سوى مبلغ خمسة آلاف فرنك عندما سئلوا لتزويدها بميزانية تمكنها من التمركز في سويسرا ومن النفاذ إلى الأوساط الإعلامية في اوروبا والبلاد الغربية عامة”(24).