المنظمة السرية المسلحة OAS 3

وبعد مداولات المجلس الوطني بأسبوع واحد، دعت مجموعة فانسان المشار إليها أعلاه إلى اجتماع ضم حوالي ثلاثة آلاف شخص برئاسة السيد جورج بيدو الذي صرح ” أن جيش المقاومة الجديدة قد تشكل وأن صفوفه تتزايد وأن الإنقلاب لم يعد مستحيلا “(29). أما السيد Leon Delbecque فإنه صرح في خطابه قائلا: ” أن السلطة الحقيقية في الجزائر هي منظمة الجيش السري “(30) ونتيجة لذلك الإجتماع قررت الحكومة الفرنسية حل تنظيم فانسان وأمرت باعتقال أحد أعلامه المسمى Jean Dides الذي كان قد ضمن خطابه دعوة لإغتيال الجنرال ديغول. وفي اليوم السادس من شهر ديسمبر- كانون الأول- من نفس السنة أعلنت مصالح الحكومة المختصة عن حل التنظيم المعروف باسم “المنظمة السرية المسلحة” وأصدر وزير الدفاع أوامره إلى سائر وحدات الجيش الفرنسي للقضاء على كل من تشتم فيهم رائحة العصيان. أما وزير الداخلية، فإنه حذر مراسلي الصحافة الأجنبية وهددهم بالطرد من الجزائر إن هم استجابوا لواحد من مسؤولي المنظمة المذكورة.

لم يكن لقرار الحل أي معنى ولم يكن له أي تأثير على حياة تنظيم سري لم يسترخص للعمل ولم يعتمد رسميا، لأجل ذلك فإن الجنرال صالان لم يعر أي انتباه لاجراءات الإدارة وراح يتطاول عليها عندما قرر هدنة (31) بمناسبة رأس السنة الميلادية ووجه نداء للمتدينين المسيحيين واليهود والمسلمين كي يتضرعوا للمولى من أجل انتصار القضية العادلة التي هي قضية ” الجزائر الفرنسية”.

وفي الواقع، فإن الحكومة الفرنسية لم تكتف بإصدار قرار حل المنظمة السرية المسلحة، بل إنها لجأت إلى توظيف تنظيمات سرية شبه رسمية لمحاربة المنظمة الإرهابية. هذه التنظيمات هي:

1- الحركة من أجل التعاون التي يسيرها كل من (Jacques Dauer) و(Lucien Bitterlin) والتي ستتدعم بعناصر منتقاة من ” مصالح العمل المدني” « Services d’action civique » المعروفة باسم الباربوز.

2- مجموعة مشال حق Michel Hacq المكونة رسميا من مائتي ضابط شرطة مدربين على جميع أنواع القتال.

3- مصالح العمل المدني.

وعلى الرغم من كل الإحتياطات، فإن سرية هذه التنظيمات قد انكشفت وأصبحت المجابهة علنية بين عناصر تنظيمات المنظمة السرية المسلحة وعناصر التنظيمات المناهضة لها. ومع حلول سنة اثنتين وستين وتسعمائة وألف أصدر الجنرال صالان تعليمات تضع حدا للهدنة المعلنة من طرف واحد، ثم وجه نداء إلى الأوربيين والمسلمين البالغين سن الرشد للإلتحاق بصفوف المنظمة السرية المسلحة. وفي نفس السياق بثت الإذاعة السرية توصيات للسكان تحرضهم على التزود بالأغذية اللازمة لشهرين على الأقل. وتنصحهم بسحب مدخراتهم من البنوك وتحويلها إلى قطع ذهبية وبعدم دفع مستحقات الضرائب على اختلاف أنواعها.

لقد كان الجنرال صالان يدرك أن هدفه الأسمى الذي هو منع الحكومة الفرنسية من إبرام أي اتفاق مع جبهة التحرير الوطني لايمكن أن يتحقق بدون مساندة الجيش الذي يضم في صفوفه أعدادا معتبرة من الضباط المتعاطفين مع المنظمة السرية المسلحة. لكنه كان، في نفس الوقت، مقتنعا بأن الإعتماد كلية على الجيش غير ممكن لأن وحداته منضبطة وغير مستعدة للإخلال بالتقاليد العسكرية. وكان صالان يعرف، أيضا، أن التنظيم الذي يرأسه ليس جيشا وهو يفتقر إلى المدفعية والبحرية وسلاح الجو وإلى المساندة الخارجية التي تعتبر الرئة التي تضمن له الإستمرار في الحياة، لأجل ذلك، فإن ” القائد الشمس “* صار يرتكز على أن يفرض تنظيمه في الجزائر كقوة ثالثة إلى جانب جبهة التحرير الوطني، وقد وجد، في فرنسا، حزب المستقلين وعددا من الشخصيات البارزة تدعمه لتحقيق ذلك.

وفي هذا السياق، وفي اليوم الثاني عشر من شهر جانفي- كانون الثاني- صادق حزب المستقلين على لائحة تؤكد “أن جبهة التحرير الوطني ليست هي الممثل الوحيد للسكان المسلمين، وأن الحل الأوحد يتمثل في إبقاء الجزائر والصحراء ضمن الجمهورية الفرنسية” (32). أما السيد جاك سوستيل فإنه صرح للصحافيين بأن ” منظمة الجيش السري هي القوة الثالثة التي يجب على الحكومة الإعتراف بها والتي يجب التفاوض معها من أجل إحلال السلم. لكن السيد بارنار تريكو صاحب الكلمة المسموعة لدى الجنرال ديغول يرى عكس ذلك. فالبنسبة إليه يجب تجاهل المنظمة السرية المسلحة والإسراع بالتفاوض مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. صراع الإتجاهات والتنافس على السلطة داخل المنظمة السرية المسلحة. مرة أخرى نعود إلى التسمية فنؤكد ميلنا ” المنظمة السرية المسلحة ” على حساب ” منظمة الجيش السري” ذلك لأن التنظيم كان إرهابيا وتشرف عليه قيادة مكونة من مدنيين وعسكريين سابقين كانوا كلهم معروفين لدى مصالح الأمن الفرنسي هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن المنخرطين في صفوف ذلك التنظيم كانوا في أغلبيتهم الساحقة مدنيين جاؤوا من مختلف الفئات الإجتماعية. أما غير المدنيين فكانوا إما فارين من الجيش الفرنسي لأسباب متعددة أو من المتقاعدين والمطرودين منه.

وإذا سلم الدارس بأن التسمية هي ” منظمة الجيش السري” فإننا عندها، نسأل: ماهي خاصيات ذلك الجيش؟ من هو قائده؟ ومن هم أعضاء قيادته البارزون؟ وماهو نوع العلاقة بينه وبين المنظمة التي نعرف أن رئيسها هو الجنرال صالان ونعرف قادتها العسكريين والمدنيين؟ وإذا قيل أن المنظمة هي ذاتها الجيش السري، فإن ذلك يكون من باب اللامنطق ومن غير المعقول لغة واصطلاحا.

ومهما يكن من أمر، فإن الإختلاف حول التسمية لايغير شيئا من حقيقة الجرائم المرتكبة من طرف المجموعات الإرهابية سواء سميت ” زاد” أو سميت “دلتا”، ولا يحول دون الإقرار بأن تناقض المشارب الفكرية التي ارتوى منها كل واحد من التنظيمات المشكلة للمنظمة والتي سبقت للإشارة إليها قد أدى، مع مر الأيام، إلى انفجار من الداخل ترتبت عنه تصفيات جسدية وتعاون مع السلطات الرسمية وسباق محموم نحو المناصب القيادية، يجد القارئ تجسيدا لكل ذلك في كتاب “النعش والحقيبة ” الذي نشرته آن لوش في باريس سنة 1963 (33). وبالنسبة لنا، فإن أساس التناحر الداخلي الذي زعزع أركان المنظمة السرية المسلحة يرجع بالدرجة الأولى إلى التنافس بين القياديين المدنيين والعسكريين الذين لم يكونوا ينظرون إلى الواقع الجزائري بنفس المنظار، ولم يكونوا يرمون إلى نفس الأهداف كما أنهم لم يكونوا ينظرون إلى الواقع الجزائري بنفس المنظار، ولم يكونوا يرمون إلى نفس الأهداف كما أنهم لم يكونوا مدفوعين بنفس الحوافز والعوامل.

إن هذا التنافس هو الذي جعل قائد مجموعات “زاد” المدني السيد Sarradet يندد، مرارا، “بالمافيا العسكرية” ويتهم أفرادها وخاصة منهم العقيد قودار بالعجز وعدم الإرتقاء إلى حقيقة الأمور. وفي هذا السياق، أيضا، اتفق مع Michel Leroy رئيس الجبة الوطنية من أجل تجاوز قيادة المنظمة والدخول في حوار مع ممثلين عن الحكومة الفرنسية لكن باريس لم تستجب للعرض الذي كان مغريا، إذ أن صاحبه وعد، في حالة القبول، بتصفية قيادة أركان المنظمة السرية المسلحة.

لقد كان صرادي ولوروي ينتظران من الحكومة الفرنسية أن توافقهما على اقتطاع الساحل الغربي من الجزائر وتحويله إلى جمهورية أوربية تكون لها ” شخصيتها العرقية والثقافية وتكون أمتها متميزة”. وحسب صرادي، فإن تلك الجمهورية ستكون هي الفرصة الوحيدة التي تبقى الغرب متواجدا على الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط. ولإعطاء رأيه مزيدا من الثقل رسم علم الجمهورية المذكورة وصاغ مشروع التصريح باستقلالها عن الجزائر وعن فرنسا.

وأمام صمت باريس طفق صرادي ولوروي يبحثان عن الأنصار لفكرتهما، فكثفا الإتصالات مع ممثلي الجالية الأوربية في العاصمة، ولم يكفهما ذلك فقررا مواجهة قيادة المنظمة السرية المسلحة ولعلها تتبنى المشروع وتعمل على تطبيقه رغم أنف السلطات الرسمية، غير أن القيادة المذكورة رفضت العرض هي الأخرى ظناً منها أنه بوحي من الحكومة الفرنسية، وجاء الرفض بقلم جاك سوزيني الذي نشر على أعمدة « Appel de France »: “إننا لن نقبل أبدا أي اتفاق يكون التقسيم هو نهايته”. وفي كتابه الذي نشره سنة 1963 حول تاريخ منظمة الجيش السري يقول سوزيني ” أن هذه الحادثة قد استدعت اجتماع كافة أعضاء القيادة الذين قرروا بالإجماع إعدام الخونة الذين بلغ عددهم إثني عشر شخصا، ثم إن بعض التدخلات قد جعلت القائمة تتقلص ولم يبق فيها سوى Leory و Villard ” (34).